د. رياض الصبح لـ«جسور بوست»: تراجع الحريات حجر عثرة في مسار الديمقراطية بالأردن

د. رياض الصبح لـ«جسور بوست»: تراجع الحريات حجر عثرة في مسار الديمقراطية بالأردن
الدكتور رياض الصبح

وسط حزمة من المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية، تتراوح أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في الأردن بين التقدم والتراجع، لتعكس وجود العديد من الإشكاليات والأزمات في مسار الحركة الحقوقية والسياسية.

ويستعد الأردن للاستعراض الدوري الرابع لوضعية حقوق الإنسان، والذي يتضمن تقرير الحكومة الأردنية، وتقريرا آخر لجماعات المصالح الممثلة في المنظمات غير الحكومية، وتقريرا ثالثا للخبراء المستقلين المعروفين باسم المقررين الخواص.

"جسور بوست" حاورت المستشار المستقل لحقوق الإنسان في الأردن والمنطقة العربية الدكتور رياض الصبح، بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البلد العربي، بالتزامن مع انعقاد الدورة الـ54 للمجلس الأممي لحقوق الإنسان في جنيف.. وإليكم نص الحوار:

ما أبرز التحديات التي تواجه مسار الحركة الحقوقية في الأردن؟

تشهد أوضاع حقوق الإنسان بالأردن حالة مراوحة أقرب إلى التراجع، والمراوحة مقصود بها التقدم بعض الخطوات والعودة خطوات أخرى، وهناك بعض الخطوات الإيجابية إذا اعتبرنا مثلا انخفاض أعداد التوقيف الإداري في السنوات الأخيرة وتعديل بعض التشريعات الخاصة بالمرأة، ولكن على مستوى الحريات العامة والأوضاع الاقتصادية بشكل أساسي تشهد حالة تراجع واضح، وذلك رغم وجود خطط وجهود لمؤسسات الدولة الأردنية، وتأسيس إدارات خاصة بحقوق الإنسان في جميع الوزارات والدوائر الحكومية في البلاد.

رغم أن الأردن أقر تشريعاً يضمن حرية تداول المعلومات، فإن معظم التقارير الدولية تشير إلى تراجع الحريات الإعلامية في البلاد.. بماذا تفسر هذا التناقض؟

قانون الحصول على المعلومات هو تشريع في مجمله سلبي وليس إيجابيا، فقد تم إقراره في عام 2008 باسم على غير مسمى، حيث فرض استثناءات لقيود أكثر مما كانت عليه في السابق، حيث أصبحت القيود مقننة بموجب القانون ولا تتم بشكل عرفي أو غير رسمي كما كان يحدث ذلك في الماضي.

الأمر الثاني أن هذا القانون فيه جوانب غير مطبقة جرى تعليق العمل بها لأنه على المؤسسات أن تصنف المعلومات والبيانات التي لديها على أنها مباحة أو متداولة ويمكن الحصول عليها أو أنها معلومات سرية ومحظور تداولها، وبالتالي ما زالت مسألة التطبيق تتم بشكل انتقائي، ومتروك لأي مؤسسة أن تعتبر في أي وقت لها ما هو سري وما هو غير سري.

الإشكالية الأخرى هي عدم فاعلية آلية تقديم الشكاوى، حيث يقدم المتضررون الشكاوى للحصول على المعلومات، لكن غالبا ما تكون الإجابات أو الردود عليهم سلبية، وبالتالي هناك إهدار لحق الحصول على المعلومات.

المطلوب في موضوع الحصول على المعلومات هو الكشف التلقائي الأقصى للمعلومات والبيانات، إلى جانب أن البيانات التي تتاح للرأي العام من خلال مواقع وإصدارات المؤسسات تتضمن معلومات ثرية ومكشوفة وتتناول قضايا تمس أو معلومات يهتم بها المواطنون.

هذه القيود تفسر أسباب تراجع الحريات الإعلامية في الأردن، وذلك إلى جانب القيود التي تفرضها قوانين المطبوعات والنشر والعقوبات ومكافحة الإرهاب وأمن الدولة وغيرها، ورغم أن قانون المطبوعات والنشر لا يسمح بتوقيف الصحفيين، فإنه يتم توقيف الإعلاميين والكتاب والنشطاء استنادا إلى قانون العقوبات وقانون محكمة أمن الدولة وقانون منع الجرائم وغيرها.

وهذا الحال ينطبق أيضا على التجمعات السلمية والتي يكفلها القانون والدستور، ولكن يتم تقويض وملاحقة الأشخاص الذين ينظمون أو يشاركون في المسيرات السلمية، وهذا يعمل على تراجع الحريات الإعلامية والحريات عموما في الفضاء العام بالأردن.

هناك انتقادات عديدة بشأن إقرار قانون الجرائم الإلكترونية.. ما دوافع صدوره وما رأيك في بنوده؟

قانون الجرائم الإلكترونية هو تشريع يقوض حقوق الإنسان لأنه يجرم على سبيل المثال الابتزاز والاعتداء على الحريات الخاصة والحض على العنف والكراهية وازدراء الأديان وانتهاك حرمة الحياة الخاصة والاعتداء على وسائل الدفع الإلكترونية والخدمات المصرفية وغيرها، إلا أن جميع هذه الأفعال مُجرمة بالفعل في قانون العقوبات، وبالتالي الخلاف حول وسائل الإثبات والتي من المفترض أن تكون تكنولوجية وتقنية، لكن القانون توسع بشكل غير مبرر لتغليظ العقوبات وتقييد حرية التعبير والرأي والمعتقد والحريات العامة خلافا لقانون العقوبات، ولذلك أوصت الأمم المتحدة مرارا بضرورة تعديل هذا التشريع ليتفق مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير.

ومشكلة القانون أيضا أنه يتضمن مصطلحات فضفاضة بشأن ازدراء الأديان وإثارة الفتن والنعرات والنيل من الوحدة الوطنية أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف وغيرها، وهذه المصطلحات جميعها قابلة للتأويل والاستخدام بشكل تعسفي تجاه المواطنين.

الكارثة في هذا القانون أنه يحمي الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون من الممارسات التعسفية، بمعنى أنه لا يجوز انتقاد أو ذكر أسماء الأشخاص الذين يتولون تنفيذ أحكام القانون أو صورهم أو معلومات بشأنهم أو أخبار عنهم إذا كان من شأنه الإساءة إليهم أو تعريض حياتهم للخطر، وهذه المسألة أيضا قابلة للتأويل وفضفاضة جدا وتساهم في حماية المكلفين بإنفاذ القانون ليقوموا بممارسات تعسفية وتجاوزات حقوقية، كما تم إجراء بعض التعديلات لتخفيض بعض العقوبات أو الغرامات المالية لكنها ظلت مرتفعة إلى حد كبير.

ماذا عن تلك الحقوق في الأردن وما الذي تحتاج إليه لإحداث تقدم أو تطور (حقوق العمال- حقوق النساء- حقوق اللاجئين- حق التنظيم وتكوين الجمعيات)؟

لدى الأردن إشكالية في قانون العمل، لا سيما في ما يتعلق بالحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، حيث تقوض وتقيد النصوص الواردة بقانون العمل حرية التنظيم النقابي، لأنه لا يجوز إنشاء النقابات بشكل تلقائي إلا من خلال الحصول على ترخيص بخلاف ما تنص عليه المعايير الدولية.

ويشترط القانون أيضا لإنشاء نقابة موافقة اتحاد النقابات العام الأردني، كما يتيح للوزير سلطة حل النقابات، وهذا أيضا مخالف للمعايير الدولية ويقوض مبدأ التعددية النقابية.

الأمر نفسه ينطبق على الجمعيات غير الحكومية حيث تواجه معوقات في التسجيل وتلقي التمويل الأجنبي، حيث توجد آلية للموافقات المسبقة رغم الادعاء بأنها تنظيمية فقط، ولكن في حقيقة الأمر يتم منع تلقي العديد من التمويلات لأسباب ليس لها علاقة بالتنظيم وإنما بالمحظورات السياسية.

وكذلك يواجه العمال المهاجرون العديد من المشكلات، تتعلق أحيانا بالاستبعاد من قبل الحاكم الإداري، أما من حيث أوضاع اللاجئين، فيعد الأردن من أفضل الدول العربية في استقبال اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين بأعداد ضخمة، لكن ما ينقص البلاد هو إقرار قانون وطني للجوء والتصديق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

ومن حيث حقوق النساء على المستوى التشريعي، حققت المرأة الأردنية تقدما ملموسا رغم وجود بعض الثغرات أبرزها حرمان المرأة الأردنية من منح الجنسية لأبنائها، وانعدام المساواة في المسؤوليات الزوجية بالولاية والإنفاق، كما لا يحق للمرأة توريث التقاعد المدني لأبنائها أو توريث الضمان الاجتماعي، أما على المستوى الواقعي تعاني النساء بفعل الموروثات الثقافية من الفجوة في الرواتب وفرص العمل والتمكين السياسي.

من وجهة نظرك ماذا عن تلك الانتهاكات أيضاً (التعذيب- التوقيف الإداري- الإفلات من العقاب)؟

رغم أن الأردن حقق تقدما على الصعيد التشريعي، لكن ما زال التقدم منقوصا، حيث أجرى تعديلات دستورية في عام 2011 تقضى بتجريم ومنع التعذيب، إلى جانب تعديل قانون العقوبات في المادة 208 بتجريم التعذيب، وهذا شيء إيجابي، لكن تعديلات القانون اعتبرت أن التعذيب جريمة في حال أدت هذه الممارسة إلى الوفاة أو حدوث عاهة مستديمة، بمعني إذا تم ممارسة التعذيب ولم يحدث ذلك يتم اعتبارها جنحة.

إلى جانب أن الجهة التي تنظر في شكاوى التعذيب هي محكمة الشرطة إذا كان المدعى عليه من العاملين في الجهاز الشرطي، وهذه محكمة غير مستقلة وتابعة لجهاز الأمن العام، وبالتالي فإن قراراتها غالبا إن لم تكن جميعها صدرت بعدم تجريمهم وإجراء التكييف القانوني (تحديد الوصف القانوني للوقائع) لاعتبار الجريمة ضربا أفضى إلى الموت أو إخلال بالمسؤوليات الوظيفية أو ما شابه ذلك، ومن ثم يتم الإفلات من العقوبة وترسيخ الجريمة الموجودة ولكن دون وجود دراسات وإحصاءات معمقة بشأنها.

أما بالنسبة للتوقيف الإداري، فقد كانت مشكلة كبيرة في الأردن، لا سيما أن الحاكم الإداري (المحافظ) يستطيع أن يوقف أي شخص تحسبا لوقوع جريمة محتملة، وذلك بنص قانون قديم يعود إلى عام 1954، حيث يجبر الشخص الموقوف على دفع كفالة مالية والتي عادة ما تكون مبالغ كبيرة يعجز المتهم عن سدادها.

الأزمة تكمن أيضا في توسع صلاحيات الحاكم الإداري ليصبح قادرا على توقيف الأشخاص في قضايا العنف الأسري أو المشاركة في مسيرات ومظاهرات سلمية أو قضايا اجتماعية، وذلك يعني أنه يقوم بنفس أدوار القضاء الطبيعي، وقبل نحو 4 أو 5 سنوات كان عدد الموقوفين إداريا يعادل عدد الموقفين قضائيا، وهذا رقم مذهل في معدلات التوقيف الإداري.

يأتي ذلك إلى جانب أن هناك حالات عديدة يتم تبرئتها من القضاء ورغم ذلك يتم توقيفهم على ذمة القضية نفسها بموجب قرار الحاكم الإداري، وهذه الممارسات قوبلت بانتقادات واسعة على الصعيدين المحلي والدولي، ما دفع الحكومة الأردنية مؤخرا إلى تخفيض نسبة الموقوفين إداريا والتي تستند إلى قرارات فاقدة المشروعية، لأن الجهة صاحبة الاختصاص بالتوقيف يفترض أن تكون الشرطة لمدة 24 ساعة والقضاء حسب القوانين المعمول بها.

برأيك ماذا يحتاج الأردن لتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في البلاد؟

الأردن يحتاج إلى حزمة إصلاحات تشريعية وسياسية وتنفيذية كخارطة طريق لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وإزالة قدر كبير من القيود للحريات، وإجراء إصلاحات في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ومحو كافة آثار التمييز في التعليم وغيره.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية